الأعداد السابقة

العيد فرحة

نجاة باحكيم

تكمن الفرحة في القلوب.. فأن تكون بخيرٍ معافىً في بدنك بصحَّة جيدة، آمناً مطمئناً في مسكنك مع أسرتك؛ فقد حُيزت لك الدنيا بحذافيرها. فبينما أنت تشاهد برامج التلفاز تتنقل بين قنواته –العربية- التي تحتفي بالعيد كعادتها كل عام.. تتردد الأغاني والأهازيج العيدية ذاتها منذُ زمن (آآآهلا.. أهلاً بالعيد) (آنستنا يا عيد) (العيد فرحة)... برامج تهنئة ولقاءات مع فنانين، وممثلين، ومغنّين، مع شخصيات اجتماعية أخرى تجعلك تغوص في أعماقهم مع ضحكاتهم، وتتحاور مع أفكارهم وأطروحاتهم، مسرحيات قديمة يُعاد بثها (المتزوجون) (الواد سيد الشغال) وغيرها من المسرحيات الفكاهية التي تناقش قضايا اجتماعية ذات جدوى، أتذكر قبل عشرين عاماً كنت وأسرتي نقهقه ضاحكين على كل شاردة وواردة فيها، كذا الجمهور الحاضر الشاهد على العرض هو أكثر ضحكاً منَّا، والسعادة تغمر القلوب.

هاهي الآن تعاد نفس المسرحيات، نفس المشاهد والكلمات.. أتعجب من ذلك الجمهور الذي يضحك بكل ما أوتي من أريحية ورحابة صدر وأنا أشاهد بصمت! أتساءل ألستُ أنا من كنت أضحك قبل عشرين عاماً مثلهم؟! لو كان نفس الجمهور حاضراً لنفس المسرحية اللحظة معي؛ هل كان سيضحك مثل ما كان عليه سابقاً أم سيصبح حاله مثل حالي الآن!. لا يتعدى المشهد المضحك ابتسامة طفيفة تعلو الشفاه؟ فهل يا ترى التكرار هو السبب.. أم وسائل السوشيال ميديا التي أضفت على عقولنا طابعاً آخر من التفكير! أم لأنَّ النفوس في السابق كانت صافية نقية، أبسط الأمور تبهجها, أمَّا الآن لا سيما نحن في اليمن طغى الرعب على كل فاصلة في أجسادنا.. منذ عدة أعوام ونحن نعيش أجواء الحرب والحصار والرعب وسياسة تجويع اقتصادي بكل ما تحمله تلك الكلمات من أضرار جسيمة، قوافل شهداء تٌزف إلى بارئها كل حين، أمهات ثكلى وأرامل وأيتام، دمارٌ وتفجيراتٌ وأشلاء،  مناظر تُميت القلب وتقتل نبض الفؤاد. ومما زاد القلوب رعباً ظهور تلك الجائحة التي غزت العالم ابتداءً من الصين وتنقلت عبر الرحلات إلى دول العالم المختلفة، وأصبحت الدول العظمى عاجزة عن ايجاد العلاج لتلك الجائحة أو ذلك الوباء القاتل.

مما دعا منظمة الصحة العالمية -أو بمخطط سابق منها- أن تبث الرعب في القلوب فزعاً وعجزها التام عن العلاج! فعلى الجميع اتخاذ سبل الوقاية لحماية أنفسهم، وأنَّ جثث الموتى بهذا الوباء شديدة التلوث وانتقال العدوى، فهرعت الدول لإخفاء جثث الموتى إما بالحرق أو بالدفن الجماعي أو فرادى بحذر شديد دون غسل أو تكفين، ومنهم من اعتبر أنهم شهداء كالغرقى والمحروقين أو من قضوا في ساحات القتال. وهم بذلك أحرقوا قلوبنا ألماً إذ كيف لي مجرد التخيُّل أن أموت بهذا الوباء دون أن يُصلَّى عليَّ أو أن أغتسل! دون أن يقف على قبري أحد! دون أن تتأملهم عيناي وأنا أفارق الحياة في لحظات عمري الأخيرة.

وهنا كان لابد من فرض الالتزام بسبل الوقاية والعزل المنزلي، فالوقاية هي الحل.. وأضحى البقاء الجماعي لأفراد الأسرة في المنزل واجباً يحتم تنفيذه ولو جبراً على الأبناء. قمنا بشراء عدد من الألعاب المسلية (منوبولي) (بنك الحظ) (كوتشينة) ولدينا من السابق (كيرم) (شطرنج) و(الدمنة) لعبنا جميعا حتى والدي لعب معنا بعضاً منها، لكن ما لبثنا أن بدأ الملل يتسرب إلى أنفسنا شيئاً فشيئاً، شعرتُ بأنَّ هذه الألعاب الجماعية لم تعد بذلك المذاق الذي كانت عليه، وانتقل كلٌ منَّا إلى هاتفه الذي لا يمل منه، لاسيما مع تحميلهم لكم هائل من المسلسلات التركية المترجمة وعدد من الأفلام الجديدة، ناهيك عن الواتساب والفيس اللذان يشغلان حيزاً كبيراً من الفراغ، رافق ذلك قيام أختي قبل العيد برفع خط الواي فاي إلى الخط السريع والسعة الأعلى.

ولأني لستُ من هذا القبيل اتجهت إلى زراعة الحديقة الصغيرة –جدا- التابعة للمنزل، اشتريتُ سبعة أحواض زرع وخمسة وعشرون شتلة مختلفة من مشتل في شارع (45).

تنفست الصعداء حين أصبح لدي حديقة لم أشعر بأهميتها من قبل. فما أجمل الطبيعة التي تغذي جسدك بطاقة إيجابية عالية وتمنحك مناجاة الرب في هدوء. أصلح أخي جهازاً رياضياً متكاملاً مكوَّناً من ثلاثة أجزاء كان مهملاً لدينا كي نشعر بنوع من الحركة بداخل المنزل، وأخيراً قررتُ القيام بما كان يتوجب علي القيام به منذ مدة وهو قراءة عدد من الروايات.

تواصلت هاتفياً مع الأستاذ محمد الغربي طالبة منه أن يختار لي عدداً من العناوين التي مرَّ بها وشعر بأنها ستكون قريبة ومحببة إلى نفسي كي أقوم بتحميلها من النت؛ وهو كعادته بصوته البشوش وقلبه الذي يفيض حباً للجميع لم يتردد لبرهة وطلب مني احضار ورقة وقلم وأملأ علي بعضاً من العناوين لأعيش أجواء العزل المنزلي دون ملل وهو ما كان.

عيدكم مبارك,, خليكم في البيت وخلي الشارع لكورونا حتى يزول.

 

حول الموقع

إل مقه - نادي القصة اليمني