الأعداد السابقة

قراءة أولية في ديوان كأنك زهر الكولونيا للشاعرة ليلى إلهان

ثابت القوطاري

قبل الخوض في غمار نصوص هذه المجموعة الشعرية الرائعة لابد لنا من المرور على العتبات بوصفها جزء من النص، ومفتاح من مفاتيح مغاليقه، والبداية مع عنوان المجموعة(كأنك زهر الكولونيا). تسمى (زهرة الكولونيا) باللغة الإنجليزية (أبواق الملائكة) وهي من الأنواع المهددة بالانقراض، كما أنها من النباتات المعمرة والتي تعيش طويلاً وهذا ما ينطبق على (الحبيب) في هذه الديوان فهو: ملائكي، لامثيل له (نادر) والخوف من فقدانه أمر محتمل، تقول الشاعرة في صـ19: 

بوسعي أن أتنفس الهواء

بوسعي أن أتنفس وجودي

وليس بوسعي أن أجد مثلك

وتقول في صـ80:

أنت تحبني على مهل، هيا تعجل

فالعمر قصير والفراق جائز

أما لوحة الغلاف للفنان بابلو بيكاسو الذي ذُكر في صـ34 من الديوان فهي عبارة عن: صورة لامرأة طويلة العنق والذي يحيلنا إلى السمو والاعزاز بالذات، وهذا ما نجده في أول الديوان حيث تقول الشاعرة صـ7: كلُّ عام ونفسي طيبة.


وفي صـ17: أحبك كما لو أنك نفسي.

ويلاحظ أن المرأة في لوحة الغلاف ترتدي ساعة يد وقد جاء الديوان محملاً بذكر الزمن والعدد فتقول الشاعرة صـ9:

واحد أو اثنان كلُّ ما هناك يتجاوز العد

وتقول في صـ86: الساعة ما زلت تنتظر الفرج

لموعده القادم مع حبيبها الوقت.

وقد جاء لون الغلاف سماوياً يوحي بالهدوء والاسترخاء مع وجود اللون الأحمر/البرتقالي والأصفر والأزرق والذي تبعث على الحيوية والنشاط، تقول الشعرة صـ29:

بالأبيض والأسود أبث صمتي

وبالألوان كلها تنطق لساني.

وتقول في صـ: 

الألوان التي تنسكب على اللوحة تعيرني الطيش.

وتقول في صـ9:

المخلوقات لا تعترف بألوانها

بينما الألوان تعترف بقيمتها النفسية.

وفي الإهداء تيقنت الشاعرة بأن حبيبها زهر الكولونيا فقالت صـ5:               لأنك زهر الكولونيا

أعشقك بقدر رحمة الله على العالمين

بقدر نبض عروقك.

فلفظ (لأنَّك) فيه توكيد بعكس عنوان الديوان (كأنك) الذي يفيد الشك والمقاربة.

نصوص الديوان. حيث جاء الديوان حاملاً في نصوصه نظرة فلسفية رائعة حاملاً أبعاداً ودلالات مختلفة منها:

النرجسية

ويبدو هذا البعد منذ الوهلة الأولى في الديوان فالشاعرة تقول في صـ: كلُّ عام ونفسي طيبة.

لكن التراجع ومنح الحبيب مساحة كبيرة من الأهمية يظل من سمات الأنثى مهما بلغت نرجسيتها حيث تقول الشاعر صـ35: ربما لأنَّك أهم مني لم أخلق بعد في الحياة.

لم يعد لي عالم سواك.

الجنس

في هذا الديوان عملت الشاعرة على اقتحام إحدى التابوهات وهو الجنس الذي يظهر من خلال الصور الشعرية والمفردات التي توحي بالجنس.

تقول صـ11: رجل آخر الناصية يستعرض أغراضه

ثمة امرأة في الجهة المقابلة تقتنص لحظة الوفاق.

وتقول صـ: الشمعة كانت تحتفظ بأنوثتها من الاحتراق

الليل جاء دوره كي يسقط عليها رجولته.

وتقول صـ46: هناك حيث أنت مشتاق لأنوثتي

ستبدو أكثر رجولة أمامي.

وتقول صـ51: خنت جسدي عندما أذابني حبك

ومارست الغواية

يا له من جسد مسكين يرتكب الخطيئة مع نفسه.

وتقول صـ60: نهداي المشتاقان الهائجان

يريدان قبلاتك همساتك

ويتمردان بما هو محرم ويتوبان معك.

وقد جاء الديوان بنصوص سوريالية، حضر المكان أيضاً في هذه النصوص مثل: صنعاء، جبل عصر، صيرة، كريتر. ولم تكن الشخوص غائبة عن النصوص بمختلف توجهاتها الفنية والأدبية والتاريخية مثل: بيكاسو، وطاغور، وجمعة خان، وبوذا، والمرشدي، وسيد خليفة، وهتلر.

وفرضت الأحداث الأخيرة في الوطن العربي بشكل عام وفي اليمن بشكل خاص وجود مصطلحات في النصوص مع فارق التوظيف مثل: الحرية، الديموقراطية، والحزب الاشتراكي، وقضية الجنوب، وإشكالية الكهرباء التي نعاني منها اليوم وكل يوم، كما ظهرت التكنولوجيا في قصائد دردشات، وفرضت وظيفة/مهنة الشاعرة نفسها في هذا الديوان حيث تقول صـ69: سوف تراني بين الرفوف ككتاب

له من الحب ما يكفي

ومن الشوق ما يغرق هذا العالم بالحنين

سوف تراني بكل مكان بالمكتبة العتيقة

كحبيبة مجنونة بك يا صديقي.

وتقول صـ74:     لا أدري ماذا أقرأ اليوم

هل أقرأ لنفسي

تلك النفس المتعبة

أم للآخر الحر المفترض.

لقد وفقت الشاعرة في اختيار الغلاف ولوحته والتي انسجمت مع الكثير من نصوص الديوان، وكانت لغة الديوان جيدة وغنية من حيث المعجم، والصور الشعرية الحية، والانزياحات المتعددة.

 

حول الموقع

إل مقه - نادي القصة اليمني