الأعداد السابقة

حوار مع الكاتب العراقي هيثم الشويلي

حاوره/ عمران الحمادي

الروائي العراقي هيثم الشويلي واحد من الأصوات الجديدة التي سجلت حضورا في المشهد الثقافي العربي.. إل مقة حاورته حول الرواية والواقع العربي وإشكاليات الكتابة والنشر وبعض القضايا المتعلقة بالكتابة السردية
1-رواية بوصلة القيامة، والتي حصدت جائزة الشارقة للإبداع الروائي العربي الإصدار الأول،هل جعلت منك كاتباً مشهورا؟وهل وضعتك في واجهة الكتاب العراقيين؟
ج/ دائماً الجوائز تسلط الضوء على الكاتب، وتمنحه من اشعاعها الشيء الكثير، للأسف القارئ العربي لا يقرأ النصوص المنشورة أبداً سوى تلك التي تثار حولها الضجة الإعلامية سواء من قبل الإعلام أو من مؤيدي الكاتب نفسه، والجوائز بتصوري هي جزء كبير من المنظومة الإعلامية التي لا تكلف الكاتب جهداً كبيراً في ايصال صوته لكل أقطار الوطن العربي، أنا لا أقول أن الجائزة منحتني الشهرة؛ نعم هي أضاءت هيثم الشويلي بما يستحق الإضاءة لكن ما بعد بوصلة القيامة إما أن تكون دافعاً لك لمواصلة طريق الإبداع أو تكون الضربة القاضية للقضاء عليك، وبتصوري أن رواية الباب الخلفي للجنة التي صدرت بعد ثلاثة أعوام من فوزي كان لها الصدى الكبير في تتبع القراء لأثري الكتابي والابداعي.
2- هل بحثت عن الشهرة لتبدأ مسيرتك الأدبية.. ماذا تعني لك الشهرة؟!
ج/ أنا كتبتُ في عام 2009 روايتي الأولى لكني لم أكن مستعجلاً جداً بإصدارها ثم توقفت عن نشرها وفي عام 2013 نشرت الثانية والتي كانت هي الإصدار الأول لي «بوصلة القيامة» التي حصدت جائزة الشارقة للإبداع الروائي العربي، فما تصورت في يوم من الأيام أن أكون مشهوراً بقدر أن أنقل معاناة العراقيين إلى الوسط العربي الذي لم يكن يعرف ما يدور فوق أرض العراق ما قبل التغيير الحاصل بعد 2003، لكن كما قلت أن الجائزة تعطي الضوء الأخضر للكاتب بالاستمرارية في مواصلة مشواره الإبداعي. أما بخصوص الشهرة.. فهو طريق المجد الذي يبحث عنه كل الكتاب من دون استثناء، الشهرة هو الحفر عميقاً في جذور الأدب العربي، بل هو طموح كل مبدع.
3- بماذا تنصح الكتاب الباحثين عن الظهور المبكر أو المبكر جداً؟
ج/ لا إشكال في ذلك قطعاً، فالإبداع لا يعرف عمراً محدداً بل يدرك نصاً مميزاً يقرؤه الجميع ويشار له بالبنان، فمتى ما وصل الكاتب لدرجة الإبداع ولا أقول الكمال بل الإبداع فعليه نشر نصه..
4- كيف تنجز نصك. . ما هي الأجواء والإجراءات التي تتكرر لديك دائما أثناء الكتابة ويمكن أن تكون مفيدة لمن يقرؤها من الكتاب المبتدئين؟
ج/ دائماً أكون مشغول التفكير، ويبدأ النص عندي من حدث مميز وغير مطروق أو بالأحرى لم يلتفت له كاتب آخر، وصرت أبحث عن مادتي الخام التي يتكون منها الحدث، فأسأل أهل الاختصاص بذلك واقرأ الكثير كي يكتمل الخيال وتنمو الشخصيات في داخلي وتكون الصورة واضحة وجلية تماماً وقتها أشرع بالكتابة الأولية ثم الثانية فالثالثة حتى أتيقن من أنني أكملت كل شيء في النص وصار جاهزاً للقراء.
5- كيف هو وضع المشهد الثقافي في العراق؟ وماهي مساحة القراء في العراق؟
ج/ الثقافة في العراق عامرة ومزدهرة لكنها تعاني من النظرة الضيقة التي تتبعها وزارة الثقافة في عدم الاهتمام بالمثقف العراقي أبداً ولا تشرع قانوناً لحمايته أو لتفريغه للإبداع، لذا فأنا بتصوري أن المبدع يعاني الكثير بل يجاهد من أجل إيصال صوته عربياً، كما نعاني من القارئ العراقي نفسه فهو مزاجي بشكل كبير ولا يمكن أن يقنعه النص المحلي إلا ذاك النص الذي يثار حوله اللغط الكبير، وللأسف الشديد أقولها وبصراحة القارئ العراقي ناقد ساخر يبحث عن سلبيات النص ليكتب عنها ولا يصفق لإيجابيات النص مطلقاً.
6-تاريخ العراق حافل بأحداث كثيرة وصراعات مؤلمة ربما تمثل دافعا أو مادة للكتابة، هل شكلت منك كاتباً؟ وأين هي كتاباتك من التاريخ؟
ج/ نعم العراق مسرح كبير للكتابة فالأحداث التي صارت فوق أرضه تجعل من الكاتب يحتار في أي طريق يسلك للكتابة، أنا شخصياُ أتمنى أن يسعفني الوقت للتدوين الابداعي قبل نفاد الحياة ورحيلنا عن هذا العالم، لدي نص هو جزء من التاريخ لكنه حالاً في طيات الكتمان وينتظر الوقت المناسب للظهور.
7-ماهي أعمالك التي أسقطت فيها بعضا من تاريخ العراق؟
ج/ كل حدث يمر عليه مدة من الزمن يصبح جزءاً من تاريخ البلد.. لكن التاريخ الذي نعرفه كالعباسي والأموي وما تمثله بغداد من مدينة عباسية تحتاج لشخص قارئ للتاريخ بشكل مفصل وهذا يحتاج لوقت كثير كي نكتب بهذا الاتجاه، وربما لضيق وقتنا نبحث عن الأعمال التي في متناول اليد.
8-هل تشعر بأن الكاتب لا بد أن يكتب ويسقط التاريخ في أعماله الأدبية؟
ج/ ليس ضرورياً ذلك، بعد يعتمد على اختيار الكاتب في انتقاء طريقه الخاص به.
9- أين يبدأ الحدث وأين تنتهي الرواية، ماعلاقة الحدث بالرواية،هل يزدوجان أم ينفصلان؟
ج/ الحدث هو أساس الرواية، فالرواية من دون حدث كالجسد بلا روح، لا يمكن أن تكتب نصاً من دون حدث، فهو قلب الرواية وأساس دهشتها.
10- هل هناك سيرورة معينة للتاريخ داخل الرواية،أين هي؟ ومتى؟
ج/ كي تكتب في الرواية التاريخة لا بد أن تكون عالماً عارفاً بكل حيثياتها، أن تعود للوراء وتعرف كل المسميات التي كانوا يعتمدونها قبل حداثة اللغة وسبل تطوريها، أن تعرف الطرق والأمكنة قبل تغييرها على مر السنوات الطويلة، أن لا تقع في فخ التاريخ فنياً ولغوياً.
11- كيف ترى الأعمال الأدبية الخالية من الخيال؟ وماذا يعني لك الخيال الأدبي؟.
ج/ الخيال الأدبي هو دليل على قدرة الكاتب الذهنية في خلق نص مميز، الخيال هو أن تدخل لمكان لم يصله غيرك من الكتاب.
12-عراق كان بالأمس صار ذكرى، أين تقف كتاباتك من الأحداث التي يعيشها عراق اليوم! إلى أين تأخذ الحروب التي تعصف بالعراق الكتاب؟
ج/ بالتأكيد كل الأحداث الجارية يستقي منها كل الكتاب كتاباتهم ونصوصهم، ولم يفتني أبداً ذلك، ففي كل نصوصي المنشورة وغيرها تجد الوجع العراقي بكل تفاصيله، ما قبل التغيير وما بعده وما دار عليه من أحداث ونكبات وصراعات وفتن محيطة به.
13- كيف هو وضع اتحاد كتاب العراق في السنوات الأخيرة؟ بإعتبارك كاتباً من العراق، أين وقفت من حادثة إغتيال كاتب رواية «فوضى وطن»؟
ج/ نحن في العراق مغلوب على أمرنا لا شيء لدينا سوى الشجب والاستنكار، أما ما يقتل في العراق فيذهب دمه مع الريح، وها نحن نخسر كاتباً مثل علاء مشذوب الذي راح ضحية قوله الحق أو لتبيان ما أراد كتابته في نصوصه الروائية المستقبلية ولذلك أردوه قتيلاً ليكون النص حبيس صدره.
14- بماذا تعامل إتحاد الكتاب مع هذه الحادثة؟.
ج/ بشجب واستنكار فقط وفتح ملف للتحقيق في ذلك.. لكن يا سيدي العراقيون لم يعودوا يكترثون للموت فصار الميت وقضية اغتياله أمراً طبيعياً لعامة الناس.
15- روايتك الثالثة، فجيعة الفردوس،والتي مزجت فيها التاريخ بعاطفة، ماذا عالجت في هذه الرواية؟ وهل نجحت تلك المعالجة؟
ج/ فجيعة الفردوس هو النص الذي كتبته من مستشفى الأمراض العقلية والذي أردت فيه القول بأن من يسكنون في هذه البقعة هم الأصحاء فعلاً، وما عداهم فهم المرضى، ففي المشفى تجد الصدق والحب والاخلاص وخارجه ترى القتل والدمار والخراب.
16-رواية «رماد المرايا»أدرجت في القائمة الطويلة لجائزة حمد الشرقي للإبداع العربي.. هل تعتقد بأن الرواية كانت بحاجة إلى إدراجها في القائمة للوصول إلى القارئ وهل كانت بحاجة إلى الجائزة..؟ هل الكتاب بحاجة ملحة للجوائز الأدبية.؟
ج/ كان لرواية «رماد المرايا» أن تصل للفوز لولا بعض الأشياء البسيطة التي أخرجتها من القصيرة، وهو بعض الكلمات العامية التي أدرجت في الحوارات التي تعبر عن مصداقية الحوار وليكون نصاً شاهداً على مدى الظلم الذي لاقيناه في السنوات السابقة، ولو أبلغت بحذف هذه الكلمات مقابل أن تصل للفوز لما حذفتها، لأن النص أسمى بكثير من الجوائز.
17- هل إرتقت الجوائز الأدبية بمستوى كتاباتهم العربية الإبداعية،؟.
ج/ ليس كل الجوائز، بل هناك بعض الجوائز فيها محاباة كبيرة وتعتمد على أسماء مميزة للفوز دون التمييز بين النصوص الابداعية، لكن في المقابل هناك نصوص فعلاً تستحق الفوز لأنها مكتملة فنياً وفيها ما يشد القارئ العربي.
18- وأين هي رماد المرايا « من تاريخ العراق؟
ج/ «رماد المرايا» هي جزء من تاريخ العراق المأساوي والتي تبدأ من العهد الملكي العراقي وصولاً إلى تغيير النظام ودخول القوات الامريكية المحتلة وفيها جزء كبير من الحرب العراقية الايرانية وما لمنه العراق من حيف وظلم كبير على يد الدولة، فيها حروب ومقابر وسجون وتهجير وأشياء لا حصر لها.
19- ماذا تعني لك الرواية العربية؟
ج/ هي ديوان العرب، وثقافة الشعوب والبحث عن كل صغيرة وكبيرة لم أكن أعرف عنها أي شيء، الرواية هي السحر الذي يرغمني على البقاء صابراً حتى الرمق الأخير وأنا اتفحص سطورها.
20- وكيف هو وضع الرواية العراقية أمام الكتابات العربية الإبداعية؟
ج/ مثلما في العراق إبداعاً، في كل البلدان العربية مبدعين كبار يستحقون الاشادة، لم أكن منحازاً أبداً للشخصيات والبلدان بقدر انحيازي للنص الذي يدهشني ويحمل لي المتعة والاستفادة مما قرأت من معلومات أطلعُ عليها في متن النص.
21- هل قرأت لكتاب من اليمن؟
ج/ للأسف ربما يغيب الاعلام الكثير من مبدعي اليمن، ففيها حضارة كبيرة وتاريخ لا غبار عليه وهي أصل العرب، لكن ربما نتشارك نحن مع اليمن بعدم اهتمام الحكومات فينا أو مساعدتنا، لذلك الكثير من النصوص اليمينة لا تصل بسهولة للقارئ العراقي وحتى العربي باستثناء تلك التي تصل للجوائز وتكون في متناول الجميع وأذكر نصاً للكاتب علي المقرئ هو الذي وقع بيدي وقرأته واعجبت بها كثيراً، كما أجد أن الزميل وجدي الأهدل في اصداراته الأخيرة صار يشق طريقه عربياً وبقوة، وأجزم أن الإعلام لم يمنحه الفرصة للظهور كما يليق بإبداعاته الأدبية.
22- الجنس والدين، قضايا تهم العالم الغربي وتربك العروبة، هل كانت لك تجربة في الكتابة بهذه القضايا؟
ج/ الجنس والدين.. هما جزءان من التابو المحرم الذي ينعش النصوص العربية ومن دونه يكون النص باهتاً، أو حتى التطرق تلميحاً لا تصريحاً بذلك يشد القارئ العربي نفسه، بل كل ممنوع مرغوب وحين تمنع الأعراف والتقاليد العربية ذلك يكون التهافت على النص بشكل غريب وملفت.. ولا يغيب نص عن الجنس أو الدين إلا في بعضها.
23- ما هي حجم المساحة بينك ككاتب وبين السلطة المتدينة.
ج/ فرق شاسع وكبير، فربما المساس بالسلطة المتدينة هو بمعنى الخروج عن الطريق واباحة دمك من غير أن تعلم كما فعل مع الكاتب علاء مشذوب الذي نشر منشوراً على صفحته الشخصية ليدفع مقابل ذلك عمره الابداعي بحلوه ومره.
24- النجاح الذي حققته أعمالك في العراق، لو كان في بلد غربي لكنت من أغنى الأثرياء، هل ترى ذلك محقاً؟
ج/ في العراق لا يقيمون وزناً لأي مبدع حقيقي، فهو مثله مثل عامة الناس لا يفرقه شيء أبداً، ولو كنت في بلد غربي غير العراق ربما لنظر لي العراقيون بمنظار المبدع الحقيقي، فهو يقيمون وزناً لمن خارج العراق ولا يهتمون لمن داخله، وهم على هذا الاساس يقيسون الابداع في نظرهم، وهذا ما يجعلني أهرب للقارئ العربي قبل العراقي.
25- تعمل كمدرس لمادة الرياضيات،وهي مهنة تبعد كثيراً عن مجال الأدب، هل تشعر بأنها مزعجة لك ككاتب وهل تأخذ منك وقتك وطاقتك؟
ج/ الرياضيات علمتني الكثير في مجال الكتابة فهي علمتني المنطق بأشكاله الغريبة وتفصيلاته الشاذة والبرهنة على أن الواحد حين يجمع مع الواحد يساوي واحد، وأن حاصل جمع التسعة مع الخمسة تساوي اثنين وهكذا، علمتني الرياضيات كيف انعش طاقة خيالي وأنا الدارس (التوبولوجي) أي قمة الرياضيات ولو قرأت الباب الخلفي للجنة لوجدت بها الكثير من فلسفة الأعداد في استشراف القادم من الأيام.. وأكرر على أن الخيال تظافر مع الرياضيات ليشكل عالمي الغرائبي.. نعم في التدريس تأخذ مني الكثير لكني أسرق بعضاً من الوقت للكتابة والولوج إلى عالمي الخاص بي.
26- هل العائد المادي البسيط من تلك المهنة، يكفيك لتعيش؟
ج/ مهنة التدريس متعبة جداً، وفي العراق لا يهتمون به كتدريسي ومعلم لأنه على حد زعمهم استهلاكي وليس انتاجي فيعتبرونه مستهلكاً لخزينة الدولة وما نحصل عليه من راتب شهري لا يتناسب مع طموحاتنا ككتاب، بصراحة لدي طموح كبير مثلا بترجمة نصوصي إلى اللغات الأخرى، لكن لكل شيء مقابل ومن دون المال سنبقى نراوح في مكاننا من دون أن نتقدم خطوة واحدة في طريق الإبداع، لذلك نبحث عن طريق الجوائز للوصول إلى القراء العرب والأجانب من خلال الترجمة والتوزيع.
27- هل ترى أن دور النشر هي أيضاً تستحوذ على العائد المادي الكبير بعد نجاح الإصدار؟
ج/ نعم دور النشر العربية لا تنصف الكاتب وما تحصل عليه من عائدات يكون لها لوحدها فهي غير صادقة حتى بالتعامل وتنكر الكثير من الاتفاقات بيها وبين الكاتب ولا تفي بوعودها وأغلبها مخادعة.
28- كثير من الكتاب متذمرون من ممارستهم لأعمال غير الكتابة ليؤمنوا احتياجاتهم؟ أين أنت منهم؟
ج/ وأنا أحد أولئك الذي يبحثون عن عمل آخر كي أعيش فالكتابة لا توفر عيشاً رغيداً للكاتب إلا إن عرف كيف يستثمرها في طريق الجوائز، الطريق الذي يمنح الكاتب بعضاً من الأموال.
29- هل ترى بأن تلك الأعمال قد تقطع إنتاجهم الأدبي.
ج/ نعم الأعمال تسرق من وقت الكاتب، ففي بعض الدول تشرع قانوناً خاصاً لتفريغ المبدعين الذين يكتبون، أما نحن كما قلت لك بلا رعاية أو اهتمام، بل لدينا الكثير من المبدعين لم توفر لهم الدولة ثمن الدواء أو أن تتكفل بعلاجهم في المستشفيات حتى التابعة لها.
30- رسالة أخيرة وجهها للكاتب العربي عموماً واليمني خصوصاً......
ج/ على الكاتب أن يستمر في الكتابة لا أن يتوقف، فالأوطان تنهض بهم وأقول للكاتب اليمني عليك أن تقاتل من أجل الوصول للقارئ العربي كما نقاتل نحن في ظل التهميش وعدم اهتمام الاعلام بنا، استمر إبداعيا من أجل أن تصل لمرادك ومبتغاك..

حول الموقع

إل مقه - نادي القصة اليمني