الأعداد السابقة

ركض الموتى

سليم المسجد

 عقارب.. ثعابين.. حيَّات.. هوام مختلفة، اندلعتْ من ثقوب وهاجمتني من جميع الاتجاهات؛ ارتعدتْ أوصالي، طار قلبي مفجوعاً، طرتُ من مكاني هرباً، صرت أرفسُ كل شيءٍ تجاهي دون آبه وأزيز أنفاسي متلاحقة دون توقف..، اعتراني إعياء ودوار، شعرت بإرهاقٍ شديد، حاولتُ تماسك نفسي لكني لم أستطع، فترديتُ على وجهي أرضاً...




   لم أتعثر طويلاً، استجمعتُ أنفاسي..ثم تحاملت نفسي ونهضتُ على مضضٍ، أحسست بمقاريض تقطِّع بطني وسكاكين حادة تمزِّق مفاصلي، وبقوة فتَّحتُ عينيَّ الملتهبتين، رأيتُ جبلاً يناطح السماء واقفاً على رأسي، لم أطل التحديق فيه، سحبتُ نظراتي الزائغة منه سريعاً، فاهترأ وتساقطت أحجاره راجمة...، وضعتُ يدي على رأسي، فررتُ ذات اليمين وذات الشمال، انزويت هنا وهناك، متحاشياً خطراً يحدق بي والخطر يلاحقني، دون أن تتوقف أحجاره المتساقطة انصاتًا لصدى استفهاماتي الداوية في منعطفات التوجس وركضي الدامي، وقبل أن يبتلعني اليأس واصلتُ الركض في وجهه من جديد...


    تراءى لي باب صغير انفتح بأسفل الجبل، فتنفست الصعداء وركضتُ  نحوه مسرعاً، حشرتُ نفسي مع الباب وأدْلَجتُ، استقبلني جوٌ جنائزي تلفعَُ شحوب الحزن ثوباً، أثار أوجاعي ممتطية ركضي الذابل ناحية جنباتٍ مهترئة ركضتُ فيها بحثاً عن العلاج الناجع، وفي جنباتٍ بعيدة -متطاولة- نظرتُ شزراً؛ علَّي ألمح مسعفاً؛ يسمع يرى صراخ الآهات المتهجدة على تقاسيم وجهي الصغير وفي أعماقي باستمرار...


   ـــ أوجاعي مزمنة، أرهقني الداء، بات الخطر يحدقُ بي، الأمر أكبر مما تتوقع! من؟! من؟! متى أجدُ الدواء؟.

ـــ يبدو لا أحد لا أحد، سوى صوت الليل -كان- ينعق فوق أنقاض الصباح، وشلو صحيفة مكتوباً عليها (( لن تبرأ أوجاعك حتى تؤمن أن ريح الغروب نسفتْ غبار 'تقطرنوا' منذُ عهدٍ غابر ولقد فهمت الأجيال سر الحكاية، لن...)) . اقتربتُ منها جيداً محاولاً نفض الغبار المتراكم فوقها لأقرأها كاملة، ولكن ما أن لامستها تهلهلت رماداً كفنتهُ ببقايا دموعه، ومضيتُ...


   تشعبت الطرق.. تاهتْ خطاي مشدوهة العثرات.. استفحلت الأوجاع بي أجّ عاهة مستديمة، وناقوس الخطر يدق أجراساً ممزقة خريطة كياني في عوالم أُخرست جدرانها، لاشيء يتحرك غير أشباحٍ تتحرك كما في أفلام الكرتون، ماأيقظتها وخزات  صرخاتي المتكررة! فعاودتُ الركض من جديد...


   خطف بصري بصيص نور «خافت» ترامى من مصباحٍ بيد شخص ما، خُيل لي بأنه خرج من عيادة الحياة لنجدتي؛ فتنبهتُ فرحاً..ونظرتُ إليه، كان الماثل أمامي صديقي العائد من دورة التبول إلى سريره القابع في «عنبر التوبة» منذ سنوات، بينما كان صديقي الآخر جالساً عند رأسي، وبيده منديل مبلول يمررهُ على جبيني المتصدع وأطرافي المفتتة، جذبتُ يده وقبَّلتها، فتلفظَ بنبرةٍ  ومؤانِسة:

« اِهْدأ، حُمّى وستنطفئ نيرانها».

حول الموقع

إل مقه - نادي القصة اليمني