الجناس في اللغة العربية
الجناس في اللغة العربية من الأمور الغير متعارف عليها كثيرًا بالنسبة إلى الناس، قد يصادفهم في كثير من أبيات الشعر ومن آيات القرآن الكريم، ولكنهم لا يعرفون أن هذا هو ما يسمى بالجناس.
سنوضح من خلال هذا الموضوع عبر موقع الماقه، ماذا يعني الجناس في اللغة العربية وما هي أنواعه وكيفية التمييز بين فروعه المختلفة، ليتثنى للقارئ أن يفهم ويعي مدى أهمية الجناس في اللغة وكيف يمكنه أن يصنف نوعه
الجناس في اللغة العربية
يمكننا تعريف الجناس في اللغة العربية على أنه مجانسة وهي مشتقة من الاتحاد أو المشاكلة، فيقال إن هذا يجانس هذا أي يشابه ويطابقه في الجنس، والجنس هنا يقصد به جنس الشيء أي أصله الذي تم اشتقاقه منه في البداية وتفرع منه، أما بالنسبة إلى تعريف الجناس في اللغة العربية اصطلاحًا فهو تشابه في اللفظين.
كما أن هذا التشابه في اللفظين يكون مقتصرًا على النطق فقط ولا يؤثر على المعنى أي أن الجناس يشمل تشابه الكلمات في النطق مع اختلافهما في كل من المعنى والمضمون، فعلى سبيل المثال وليس الحصر جملة حيهم ما دمت في حيهم.
إن كلمة حيهم الأولى تعني ألقِ التحية عليهم، بينما تعني حيهم الثانية مكان ومحل سكنهم الخاص، ولقد أطلق على الجناس هذا الاسم لأن تركيب الحروف الموجودة في ألفاظه المختلفة تكون من جنس واحد.
أهمية ومميزات الجناس في اللغة العربية
إن أهمية الجناس في اللغة العربية ترجع إلى الأثر الجميل الذي يضفيه على الكلمات والألفاظ الموجودة في الجمل، ويظهر هذا الأثر في النعومة والسلاسة والعذوبة التي تتميز بها الجملة التي تحتوي على جناس أيًا كان نوعه.
كثيرًا ما يستخدم الجناس في كتابة الشعر لكونه أحد فروع ومكونات علم البديع في اللغة العربية والذي ألفه ووضع حجر أساسه الخليفة العباسي المعتز بالله.
أنواع الجناس في اللغة العربية بالأمثلة
إن الجناس في اللغة العربية غير مقصور على نوع واحد فقط، فكما يتسع بحر اللغة العربية تتسع طرق وأشكال وأنواع الجناس لكي تمكن الباحث في علوم اللغة العربية من الإبحار في بحرها الواسع وهو على قدر عالٍ من الإلمام بشعابه المختلفة، وأنواع الجناس التي توجد في اللغة العربية تتمثل في:
1- الجناس التام
إن هذا النوع من الجناس هو عبارة عما اجتمع في اللفظين من أربعة أشياء ألا وهي عدد الحروف وترتيبها ونوعها وهيئتها بمعنى حركاتها وسكناتها فعلى سبيل المثال قول الشاعر أبو الطيب المتنبي:
“ألَمٌ أَلَمَّ أَلَمْ أُلِمَّ بِدَائِهِ إِنْ أنَّ آنٌّ آنَ آنُ أَوَانِهِ”
كما أن هذا النوع من الجناس يتفرع منه ثلاثة فروع أخرى وهي تتمثل في الآتي:
2- الجناس المماثل
هو الجناس الذي يتفق كلا لفظاه في الأسمية أو الفعلية ولهذا النوع من الجناس الكثير من الأمثلة وخاصةً في الشعر كقول البحتري:
“إذا العَيْن راحت وهي عَيْنٌ على الهوى فليس بسرٍّ ما تسرُّ الأضالع“
في هذا البيت يقصد الشاعر من كلمة العين الأولى العين التي تنظر، أما كلمة العين الثانية فيعني بها الجاسوس.
3- الجناس المستوفى
في هذا النوع من الجناس يأتي أحد لفظي الجناس اسمًا بينما يأتي الآخر فعلًا، ومثال على ذلك قول: ارع الجار ولو جار، فإن كلمة جار الأولى تعني الجار المجاور في السكن أما جار الثانية فتعني الظلم.
4- الجناس المركب
يحدث في هذا الوع من الجناس التام أن يأتي فيه أحد اللفظين كلمة واحدة بينما يأتي اللفظ الآخر عبارة عن مركب من كلمتين، ومثال على ذلك:
“إذا ملِكٌ لم يكنْ ذا هبة فدعه فدولتُه ذاهبة“
كلمة ذا هبة هي كلمة مركبة وتعني صاحب كرم أو عطاء، أما كلمة ذاهبة فهي اسم مفرد ومعناه فانية زائلة، ومثال توضيحي آخر على ذلك:
“فلم تُضع الأعادي قَدْرَ شاني ولا قالوا: فلانٌ قدْ رشاني“
إن قدر شاني لفظة مركبة من كلمتي القدر والشأن، أما الاسم الآخر فهو مركب من كلمة قد الحرفية والفعل الماضي هنا مشتق من الرشوة.
أمثلة على الجناس التام
توجد الكثير والكثير من الأمثلة التوضيحية التي تبين مفهوم ومعنى وكيفية استخراج الجناس من الجملة مع تحديد نوع الجناس، ومن هذه الأمثلة:
- وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ.
إن كلمتي الساعة الأولى وساعة الأخيرة جناس من النوع التام وتحديدًا من الفرع المماثل، فكلا اللفظين اسمين وفيهما نفس الحروف والعدد والضبط وكذلك الترتيب، ولكن كلمة الساعة الأولى تعني يوم القيامة أما كلمة ساعة الموجودة في أخر الآية فتعني الساعة الزمنية العادية.
- يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ يُقَلِّبُ اللهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُولِي الْأَبْصَارِ.
إن كلمتي الأبصار والأبصار جناس تام من النوع المماثل، فكلا اللفظين فيه اسمين والأول منهما يعني الرؤية أما الثاني فيقصد به أصحاب العقول.
- إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ.
إن كل من علا وعلى جناس من النوع التام المستوفى، فإن كلمة علا تعني ارتفع وكلمة على الثانية هي مجرد حرف جر.
2- الجناس الناقص
إن الجناس الناقص في اللغة العربية يمكن تعريفه على إنه ما اختلف فيه لفظي الجناس في واحد من الأمور أو الشروط الأربعة المتممة للجناس وهي نوعية الحروف وعددها وترتيبها وهيئتها ساكنة كانت أم متحركة، فإذا أنكر على الجملة واحدًا فقط من هذه الشروط يصبح الجناس ناقصًا وليس تامًا، كما أن هذا النوع من الجناس يتفرع منه فروعًا أخرى وهي:
1- الجناس المصحف
الجناس المصحف أو الجناس التصحيفي هو ما اختلف فيه لفظي الجناس في النقط فقط، بمعنى إنه إذا أزيلت واحدة من النقط الموجودة في إحدى الكلمتين أصبح التمييز فيما بين معنييها ممكنًا، فعلى سبيل المثال يقول الشاعر:
“من بحر جودك أغترف وبفضل علمك أعترف“
إن كلمتي أغترف وأعترف اختلفتا في النقطة فقط واتفقتا في الباقي.
2- الجناس المقلوب
إن هذا النوع من الجنس يختلف لفظاه في شرط واحد من شروط إتمام الجناس ألا وهو ترتيب الحروف، وهذا النوع يحمل في طياته أنواعًا أكثر دقة وهي الجناس المقلوب قلبًا كليًا، وفيه يتم عكس ترتيب جميع الحروف مثل: حسامه فتحٌ لأوليائه حتفٌ لأعدائه فإن كلمة حتف هي المقلوب لكمة فتح.
أما الفرع الثاني من نوع الجناس المقلوب الناقص فيسمى “قلب بعض” وهو الذي يتم فيه عكس ترتيب الحروف بشكل جزئي مثل قول: رحم الله امرأً أمسك ما بين فكّيه وأطلق ما بين كفّيه والقلب هنا أتى في أول حرفين فقط من كلا اللفظين دون غيرهما.
الفرع الثالث من نوع الجناس المقلوب الناقص يسمى بالمجنح وهو الذي يكون فيه قلب اللفظين واحد في أول الجملة والثاني يكون في آخرها، ويعد هذا هو السبب في تسميته بالمجنح لأنه يكون على طرفي البيت الشعري ومثال على ذلك:
“سَاقٍ يُريني قَلْبُهُ قَسْوَةً وَكُلّ ساقٍ قَلْبُه قاسِي“
إن “قاس” هنا هي عكس ترتيب حروف كلمة “ساق” ولقد وردت الأولى في بداية البيت الشعري بينما وردت الثانية في أخره.
أما بالنسبة إلى الفرع الأخير من نوع الجناس المقلوب الناقص فهو يسمى بالجناس المستوي، وهو الذي يمكن القارئ من قراءة عبارات الجملة بصورة طردية وعكسية في آن واحد ومثال على ذلك أرانا الإلهُ هلالًا أنارا.
3- الجناس المضارع
هو واحد من أنواع الجناس الناقص ويكون حفاه المختلفين متقاربين إلى حد كبير في المخرج، بمعنى إما أن يأتي في أول اللفظ مثل بيني وبين بنيَّ ليلٌ دامسٌ وظلامٌ طامسٌ ولقد اختلف كل من لفظي دامس وطامس في الحرف الأول فقط بينما كان الحرف الثاني متقارب جدًا في المخرج.
هذا بالنسبة إلى أول حالة أما الحالة الثانية فقد يأتي اختلاف الحروف السابق ذكره في منتصف اللفظ وليس في أوله مثل وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ، وهناك حالة ثالثة يأتي فيها اختلاف الحروف في نهاية الكلمة مثل الخيلُ معقودٌ في نواصيها الخيرُ.
أمثلة توضيحية على الجناس الناقص
إن وجود أمثلة توضيحية مفصلة على الجناس الناقص يسهل على القارئ استخرجه وتمييزه ومعرفة نوعه، ومن أبرز الأمثلة على الجناس الناقص:
- وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ
إن لفظا ربك وكبر جناس ناقص من النوع المستوي، وذلك لأن العبارات قد تساوت عند قراءتها طردًا وعكسًا أيضًا.
- وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْه
إن ينهون وينأون جناس ناقص من النوع المضارع، وذلك لوقوعه في منتصف الكلمة بين حرفان متقاربان، أما معنى ينهون فهو يمنعون أما عنى ينأون فهو يبتعدون.
- وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ
إن لفظي أمر وأمن هما جناس ناقص من النوع المضارع، وموضعه هو أخر الكلمة بين حرفان متقاربان.
- إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي
إن بين وبني جناس ناقص من نوع القلب الكلي لأن جميع حروفه قد انقلبت تمامًا.
الملحق بالجناس
إن النحاة وعلماء البلاغة لم يكتفوا فقط بتعريف وتصنيف الجناس بأنواعه وفرعه المختلفة، بل إنهم تطرقوا إلى الملحقات التي تلحق بالجناس في الجملة أو في البيت الشعري وأطلقوا عليها اسم الجناس المطلق وهو ينشق إلى نوعين وهما:
1- المتلاقيان في الاشتقاق
إن هذا النوع يقصد الاتفاق بين اللفظين في الاشتقاق ومثال على ذلك: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ ۖ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ، وهنا نجد أن لفظ أقم ولفظ القيم تم اشتقاق كليهما من نفس المادة اللغوية ولقد أسماه علماء البلاغة بالجناس المطلق بسبب التقاء اللفظان في الاشتقاق الملحق بالجناس.
2- المتلاقيان فيما يشبه الاشتقاق
يقصد به أن يجمع فيما بين اللفظين ما يكون مشابهًا للاشتقاق مثل قوله تعالى قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِّنَ الْقَالِينَ وهنا لفظ الفعل قال تم اشتقاقه من كلمة القول، أما كلمة القالين فهي جمع لكلمة القالي وهو الكاره الهاجر، إن من قلاه قِلي بمعنى أبغضه وهجره ولكن قد جمع بينهما ما هو مشابه للاشتقاق، وهذا نراه في كونهما قد اشتركا في كل من القاف والألف واللام، فإذ كانا من مادتين مختلفتين تمامًا في المعاجم العربية فهذا يسمى بالجناس المطلق.
