أسباب إطلاق هذا الشبل من ذاك الأسد

منذ 13 أيام
أسباب إطلاق هذا الشبل من ذاك الأسد

هذا الشبل من ذاك الأسد نقدمه لكم اليوم عبر موقعنا البلد حيث أنه تعتبر الحكم الشعبية “المثل”، من المعالم المميزة للثقافة التي تنتمي إليها وتعبر عنها، حيث يمكن القول إنها حصيلة تجارب الشعوب في كلام قليل ولكنه بليغ ومعبر، فضلًا عن أن الأمثال تراث قومي ينتقل من جيل إلى جيل، فالمثل الشعبي قصة مفعمة بالحياة تعود بنا إلى تجربة خاصة لأفراد خاضوها، فالأمثال لم تطلق بصورة عبثية، وإنما لكل منها تاريخ وحكاية.

وفي هذا المقال، سوف نتحدث عن مثل شعبي معروف في الثقافة المصرية، وهو: “هذا الشبل من ذاك الأسد”.

أولًا: هذا الشبل من ذاك الأسد

المثل الشعبي يكون عبارة عن عبارة مجتزئة من سياق ما، أو مستقلة بنفسها، تدل على عظة تعلمها الناس من حدث ما، ويكون موجز ودال ويستخدم عندما تقع حادثة على شاكلة الحادثة التي قيل فيها المثل لأول مرة.

وتتميز الأمثال الشعبية بشيوعها بين كافة الناس، مهما اختلفت طبقاتهم، فهي تصلح لهم جميعًا، ولعل السبب في شهرتها وتوارثها، هو أصالتها، حيث نجد أن معظم الأمثال الشعبية المشهورة في الثقافات المختلفة ترجع إلى عقود بعيدة للغاية، وقد يضاف إليها تعديلات جديدة توافق كل عهد، وبدون أن تخل بالمضمون.

ويوجد أنواع كثيرة من الأمثال الشعبية، ومنها الأمثال الشعبية خفيفة الظل التي تم استخلاصها من قصة أو من نكتة طريفة، مثل المثل الذي سوف نتناوله في حديثنا اليوم، والذي يتداوله الكثير من الناس، وقد لا يعرفون قصته أو صاحبه.

ثانيًا: ما هي حكاية المثل الشعبي “هذا الشبل من ذاك الأسد”؟

يعتبر “هذا الشبل من ذاك الأسد” من الأمثال الشعبية العجيبة، فحين الحديث عنه، نجد أكثر من رواية تحكي عن إطلاق هذا المثل.

وسوف نستعرض الروايتين فيما يلي:

الرواية الأولى:

يروى أن واقعة “هذا الشبل من ذاك الأسد” حدثت خلال أول قرن هجري، وذلك عندما ضاق الحال بواحد من طلاب العلم، الذي استبد به الجوع ذات يوم فغادر بيته محاولًا أن يجد ما يسد رمقه، فذهب إلى حديقة مزروعة بشجر التفاح الشهي، وقام بقطف ثمرة من التفاح وأكلها.

بعدما رجع الطالب إلى بيته، لم تستكن نفسه بما فعل، وشعر بتأنيب ضمير كبير، ولم يدر ماذا يفعل!

حتى نوى التوجه إلى مالك الحديقة وإخباره بما فعل، وبالفعل قابل الفتى البستاني، وقص عليه فعلته مستسمحًا إياه، إلا أن مالك الحديقة أفجعه بالرد، فقد أجابه: “بالله لا أسامحك، وأنا خصيمك أمام الله في يوم البعث”.

لم يتمالك الطالب نفسه وبكى بكاء شديدًا، وترجى البستاني أن يسامحه، لكن كل محاولاته لم تجدي نفعًا، فأخبره الطالب أنه على استعداد للاشتغال في الحديقة بلا أي مقابل حتى آخر نفس في حياته، ولكن مالك الحديقة لم يقبل بذلك أيضًا!

ثم أخبره عما يريده لكي يعفو عنه، وكان ما يريده غريبًا بحق، فقد اشترط على الفتى الزواج من نجلته التى لا ترى ولا تسمع ولا تتكلم ولا تتحرك، لقاء أن يعفو عنه!

ويكأن الفتى كانت لديه فرصة للرفض؟!

قبل الفتى شرط مالك الحديقة –مع عدم رغبته-، وعندما تزوج الفتى بابنة صاحب الحديقة، فوجئ بفتاة شديدة الحسن، ليس بها نقص ولا عيب!

تعجب الفتى، وسأل زوجته عن حديث أبيها، فأجابته الفتاة بأنها لا ترى أي حرام، ولا تتحدث بأي حرام، ولا تسمع أي حرام، ولا تتحرك قيد أنملة في طريق حرام، وأن أبيها لم يرزق بأبناء سواها، وقد كان يرغب في تزويجها برجل يتقي الله فيها، وأنه عندما ذهب إليه وقص عليه حكايته، علم أنه رجل تقي ورع، فاستقر عليه زوجًا لابنته.

وبعد مرور عام على زواج الفتى من ابنة صاحب الحديقة، رزقهما الله عز وجل فتى من أفضل فتيان العرب، هل تعرف من هو؟

لقد كان الإمام أبو حنيفة النعمان!

وعند شيوع حكاية الزوج وزوجته وما قدمه ولدهم للإسلام، قيلت هذه الحكمة الشعبية البليغة “هذا الشبل من ذاك الأسد”.

كما نرشح لك المزيد من التفاصيل عن الأمثال عبر: أمثال شعبية مصرية وما هو مفهومها؟

فماذا تعرف عن الإمام أبي النعمان؟

اسمه النعمان بن ثابت بن المرزبان، ويعرف بأبي النعمان، واحد من الأئمة الأربعة، وهم علماء الشريعة الإسلامية الذي لا يختلف أي مسلم سني على إمامتهم على اختلاف آرائهم ومذاهبهم، وأبو النعمان هو مؤسس الاتجاه الحنفي في الشريعة الإسلامية.

وقد ولد أبو النعمان في مدينة الكوفة وفيها تربى وترعرع، وكانت له إسهامات عظيمة في ميدان العلم وميدان التجارة، وعرف عنه تفوقه في علم الكلام، وهو فرع من فروع العلم يركز على تناول الشريعة الإسلامية بكافة آرائها، ويقدم ما يفيد بصحتها، ويدحض أي محاولة لإثبات خطأها ببراهين العقل والنقل.

وقد اشتهر الإمام أبو النعمان بتقواه وإيمانه وغيرته على الدين الإسلامي، وقد تحدث عنه الرسول –عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة وأتم التسليم- في قوله “لو أن الإيمان بالثريا، لأخذه رجال من فارس”.

الرواية الثانية

يروى أن أحدهم قام بزيارة صاحبه المعروف عنه بخله، ولما نزل في بيته قال صاحب البيت لولده أن يبتاع نصف كيلو من اللحم من خيرة محلات الجزارة، وانطلق الفتى ورجع بعد مدة قصيرة، غير أنه لم يبتاع أي غرض!

تعجب الرجل: “أين اللحم يا ولدي؟”، فقال له الفتى: “عندما قصدت محل الجزارة وسألت عن اللحم، أجابني الجزار أنه سبيعني لحم كالزبد، فتحدثت إلى نفسي: هل أبتاع الزبد عوضًا عن اللحم؟، فتركت الجزار، وتوجهت إلى محل البقالة، وأخبرت الرجل أني أريد أجود ما يبيعه من الزبد، فأخبرني أنه سيبعني زبد كالعسل، فتحدثت إلى نفسي: هل أبتاع العسل عوضًا عن الزبد؟، فتركت البقالة، وتوجهت إلى محل بيع العسل، وسألت الرجل أن يبيعني أجود ما عنده من عسل، فأخبرني أنه سبيعني عسل كماء لا مثيل لعذوبته ونقائه، فتحدثت إلى نفسي: طالما سبيعني ماء، فليس لي حاجة عنده إذن، فهل أعود إلى البيت لأحصل على ماء صافي عوضًا عن العسل، وها أنا ذا أمامك، دون أن أبتاع أي غرض!”.

وعندما انتهى الفتى من سرد ما فعله، أجابه الأب: “ليس لدي شك عن كونك فتى شديد النباهة حسن التصرف، غير أنك نسيت أمر في غاية الأهمية، لقد قمت بإنهاك حذائك وأنت تسير من بائع إلى غيره، ومن محل إلى غيره”، فرد عليه ابنه: “لم يفتني ذلك يا والدي، فأنا لم أذهب بحذائي بالطبع، وإنما ذهبت بحذاء صاحبك الذي أتي لزيارتنا”.

كان كل هذا أمام الضيف، فلم يتمالك الضيف نفسه وانفجر ضاحكًا، وهنا قال المثل الشعبي الشهير: “هذا الشبل من ذاك الأسد”.

ومنذ تلك الواقعة، أصبح الناس يتداولون تلك العبارة في أي موقف، يرون فيه ابن يسير على نهج أبيه، فيسلك سلوكه، ويرى الأشياء ويفكر فيها كما يراها ويفكر فيها أبيه.

وكذلك فإن هذا المثل يطلق على الأبناء الذين يشبهون آبائهم، فيرثون عنهم صفاتهم الوراثية وملامحهم، حتى يقول من يراهم أن الولد لم يترك شيء لأبيه، فكأنهما الشخص نفسه، ولا يميزهم عن بعضهم إلا السن، فالولد نسخة عن والده.


شارك