رأي المعاصرين بقضية انتحال الشعر

منذ 20 أيام
رأي المعاصرين بقضية انتحال الشعر

مشيناها خطى كتبت علينا هي من الأبيات التي يتم تداولها بين الكثيرين، وذلك للمعاني التي تقدمها والواقعية التي تتميز بها، وتُنسب هذه الأبيات للعديد من الشعراء، ولم يتأكد أي أحد حتى الآن من الشاعر الذي قالها، فيعتقد أن الأبيات قيلت من شاعر غير معروف، وأنها تنتمي للشعر المنحول، أو أنها كتبت من قبل الشاعر “عبد العزيز الدريني”، لذلك.. دعونا نستعرض لكم تلك الأبيات، وأهم التفاصيل حولها من خلال موقع الماقه.

كلمات قصيدة مشيناها خطى كتبت علينا

إذَا ماضَاقَ صدرُكَ من بــــــلادٍ ،،، ترحَّـــــلْ طالبًا بلــــــدًا سواهَــا

عجبتُ لمـــــنْ يقــــــيمُ بأرضِ ذلٍّ ،،، وأرضُ اللهِ واســــــعةٌ فضاهَــــا!

فذاكَ من الرِّجالِ قــليلُ عقــــلٍ! ،،، بليــــدٌ ليسَ يدري ما طحـاهَــــا

فنفسكَ فزْ بها إنْ خفتَ ضيـمًا ،،، وخلِّ الـــــدارَ تنعي من بناهَـا

فإنــــــكَ واجــــــدٌ أرضًـا بأرضٍ ،،، ونفســكَ لا تجدْ نفسًا سواهَــــا!

وأرزاقٌ لــنـــــــا مــتفــرِّقـــــاتٌ ،،، فمـــــــنْ لم تأتـِـــــهِ منَّــــا أتــاهَــا

ولا تجــــــزع لـحـادثة اللّيـــــالي ،،، فكـــلُّ مصيبةٍ يأتــــــي انتهــــاهَــا

مشينـــاهَا خطًى كُتبتْ علينَــــا ،،، ومن كُتبتْ عليه خطًى مَشاهَا!!

ومـــنْ كــــانتْ منيّتُــه بـــــأرضٍ ،،، فليسَ يمــوتُ في أرضٍ سواهَا!

معنى قصيدة مشيناها خطى كتبت علينا

ظلت كلمات القصيدة كثيرة التداول بين العرب حتى وقتنا الحالي، وذلك لبساطتها الواضحة ومعانيها القوية، فالقصيدة تعبر عن القضاء والقدر والواقع، فبالرغم من استحالة تغير القضاء والقدر، يمكننا تغير الواقع الذي نعيشه، فيحثنا الشاعر على التغيير والسعي وراء الأحلام والرغبات، وهذا ما يمسى تغير الواقع، كما أنه يحذرنا من القضاء والقدر، فسينالنا قدرنا أينما كنا، وفي الحديث عن القضاء والقدر تستحضرنا قصة نبي الله سليمان، فيحكى أن رجلًا جاء لرسول الله سليمان عليه السلام مترجيًا إليه أن يأمر الريح أن تأخذه إلى الهند، ولما سأله سليمان عليه السلام عن سبب رغبته، رد الرجل أنه قد رأى ملاك الموت بالمدينة ينظر إليه وعلم أنه يريد أن يقبض روحه، فنفذ نبي الله طلب الرجل وجعل الريح تنقله للهند، ولما رأى بعدها سليمان عليه السلام ملاك الموت سأله لماذا كنت تنظر إلى ذلك الرجل ولم تقبض على روحه؟ أجابه ملاك الموت أنه قد أندهش عندما رأى الرجل بالمدينة، فكان يعلم أنه سيقبض روحه في نفس اليوم بالهند.

الشعر المنحول

الشك في الأدب القديم والشعر دائمًا ما يحدث بكل دول العالم التي تملك خزانة كبيرة تمتلئ بالأدب، وظهر هذا الشك في مناقشة قضية الانتحال بالشعر الجاهلي، فكانت هناك العديد من الأشعار التي لم نجد لها صاحب، وهذا نتيجة اجتلابها من العديد من الشعراء الآخرين، فيطمس بذلك أسم الشاعر الحقيقي، وتنسب القصائد والأشعار لأشخاص منتحلين، وهذا ما حدث مع أبيات قصيدة مشيناها خطى كتبت علينا، لذا.. دعونا نتحدث قليلًا عن تلك الأشعار.

القضية عند القدامى والمستشرقين

  • كان “ابن سلام الجمحي” هو أول من تحدث جديًا عن هذه القضية، وكان ذلك بكتابه “طبقات فحول الشعراء”، ووضع للقضية سببين رئيسيين، أولهم هو الرواة الوضاعين، وثانيهم هو القبائل التي تتزيد بأشعارها.
  • يعد المستشرق “مرجليوث” أكبر من تحدث عن الانتحال بكتاباته، فقد كتب إحدى المقالات باسم “أصول الشعر العربي” عن تلك القضية، وذكر بمقاله أن هذا الشعر لو كان صحيحًا لكان سيمثل لهجات القبائل المختلفة والمتعددة بالعصر الجاهلي، فهناك العديد من الاختلافات بين القبائل العربية سواء كانت القبائل تتحدث باللغة العدنانية أو اللغة الحميرية، ولكن الدكتور “شوقي ضيف” قام بهدم ما قاله المستشرق “مرجليوث” عندما أوضح أن اللغة المستخدمة بالقرآن الكريم (وهي اللغة الفصحى) كانت منتشرة وسائدة في الزمن الجاهلي، فكان الشعراء يتخلون عن لهجاتهم القبلية وينظمون بالفصحى منذ زمن طويل قبل الإسلام، وانتشرت هذه اللهجة نتيجة كونها لهجة قريش، التي كانت لها أهمية دينية واقتصادية وتجارية لدى عرب الجاهلية.

وكانت واحدة من حجج “مرجليوث” هي أنه كيف تمكن العرب من تنظيم الشعر بالجاهلية؟ فكانت هناك العديد من الممالك المتحضرة التي لم تنظم الشعر بذلك الوقت كالممالك اليمنية مثلًا، ولكن جاء “بروينلش” بما ينفي كلام “مرجليوث” عندما تحدث عن مجتمعات أخرى لم يكن لها حضارة ومع ذلك كانت تنظم الشعر مثل مجتمعات الأسكيمو، فيؤكد على أن تنظيم الشعر لا علاقة له بثقافة المجتمع أو ظروفه أو تحضره.

رأي المعاصرين بقضية انتحال الشعر

  • تحدث الأديب المصري المعاصر “مصطفي صادق الرافعي” عن تلك القضية، فعرضها بكتابه “تاريخ آداب العرب” عام 1911 ميلاديًا، واكتفي في أغلب حديثه بسرد ما لاحظه على القدماء بتلك المسألة، وخلفه في الذكر “طه حسين”، الذي قام بدراسة القضية باستفاضة بكتابه الشهير “الشعر الجاهلي”، والذي هاجم الشعر الجاهلي به، مما أثار غضب المحافظين وشرعوا للرد على اتهاماته، فعمل على نشر كتاب آخر باسم “في الأدب الجاهلي” قام فيه بتبسيط شرحه ووجهة نظره بالقضية، فامتثلت خلاصة كتابه بقوله: “إنّ الكثرة المطلقة مما نسميه أدبًا جاهليًا ليست من الجاهلية في شيء، وإنما هي منحولة بعد ظهور الإسلام، فهي إسلامية تمثل حياة المسلمين وميولهم وأهواءهم أكثر مما تمثل حياة الجاهليين، وأكاد أشك في أنّ ما بقي من الأدب الجاهلي الصحيح قليل جدًا، لا يمثل شيئًا ولا يدل على شيء، ولا ينبغي الاعتماد عليه في استخراج الصورة الأدبية الصحيحة لهذا العصر الجاهلي”، واستمر الأديب “طه حسين” في عرض الأسباب المبسطة التي تدفعه للشك بالأدب الجاهلي، موضحًا أنه لا يصور حياة العرب بالجاهلية من الناحية الدينية والسياسة والاقتصادية والاختلاف في اللغة المستخدمة عن اللغة الحميرية.

تعقيب الدكتور شوقي ضيف

عقب الدكتور شوقي ضيف كذلك على كلام “طه حسين” قائلًا: “والحق أنّ الشعر الجاهلي فيه موضوع كثير، غير أن ذلك لم يكن غائبًا عن القدماء، فقد عرضوه إلى نقد شديد، تناولوا به رواته من جهة، وصيغه وألفاظه من جهة ثانية، أو بعبارة أخرى عرضوه على نقد داخلي وخارجي دقيق، ومعنى ذلك أنهم أحاطوه بسياج محكم من التحري والتثبت، فكان ينبغي أن لا يبالغ المحدثون من أمثال “مرجليوث، وطه حسين” في الشك المبالغة فيه وتنتهي إلى رفضه، إنما نشك حقًا فيما يشك فيه القدماء ونرفضه، أما ما وثقوه ورواه أثباتهم من مثل “أبي عمرو بن العلاء، والمفضل الضبي، والأصمعي، وأبي زيد فحري” أن نقبله ما داموا قد أجمعوا على صحته، ومع ذلك ينبغي أن نخضعه للامتحان وأن نرفض بعض ما رووه على أسس علمية منهجية لا لمجرد الظن، كان يُروى لشاعر شعر لا يتصل بظروفه التاريخية، أو تجري فيه أسماء مواضع بعيدة عن موطن قبيلته، أو يضاف إليه شعر إسلامي النزعة، ونحو ذلك مما يجعلنا نلمس الوضع لمساً”.

في النهاية.. نكون قد انتهينا من موضوعنا اليوم، فقد تحدثنا عن قضية انتحال الشعر وكيف بدأت القضية، وآراء المستشرقين والمعاصرين بها، وقد أثرت القضية تأثيرًا كبيرًا على العديد من الأشعار والقصائد، منها أبيات قصيدة مشيناها خطى كتبت علينا التي قد تحدثنا عنها أيضًا خلال مقالنا، وقدمنا شرحًا مبسطًا لها، ونتمنى أن نكون أفدناكم.


شارك