الأعداد السابقة

ورطة الكتابة في اليمن

عمران الحمادي

غالباً ما يلجأ الكتاب من شعراء وروائيين وصحفيين وغيرهم إلى الكتابة، للهروب من الواقع الأليم والابتعاد عن ضجيج الحياة القاتل، ولكن الأمر مختلف كثيراً معنا نحن اليمنيون، فالكتابة هي الضجيج بذاته، وقد تودي برؤوس أقلامها الحرة إلى حبل المشنقة، فالكثير منا يعلم جيداً ما تمليه السلطات والأنظمة الحاكمة على الكتاب حيث لا يتجرأ أحد منهم الخوض في غمار الكتابة في ثلاثة قضايا حساسة جداً لدى السلطات (الدين ،الجنس ،السياسة) هذه القضايا وغيرها تربك السلطات وتفزعها، وتدعها في دائرة الخوف والتحريض معاً ضد من يكتب فيها ، إنها تقيد الكاتب فلا تسمح له الا بالكتابة في دائرة محددة وضيقة ، وهذا يزيد من المآسي
التي يعيشها الكتاب اليمنيون وكما تظهر مآسي الحرب على الاقتصاد وعلى التجارة تبرز أيضاً على الكتابة والمثقفين فالبعض منهم انجر وراء المال لتأمين مصدر دخل لأسرته ملقياً بالثقافة في أسفل السافلين والبعض منهم انخدع بالسلطة والحكم فأصبح في مأزق كبير لا يستطيع الموازنة بين الثقافة كجزء لا يتجزأ من حياته اليومية وبين السلطة التي تسمم كل يوم ثقافته حتى صار حماراً يقوده أي حاكم .....
أنا لا أدعي البراعة والجدية في الكتابة وخصوصاً في القضايا التي تزعج السلطة ، ولا أحرض على الكتابة ونقد السلطة ولكن يوجد الكثير ممن أثبتوا بأقلامهم وبساطتهم ان يحققوا نجاحات كثيرة في مجالات الكتابة المختلفة والمتنوعة، ولكنهم قلة قليلة جداً ،تمسكوا بمبادئهم وقيمهم وكتبوا للإنسان وللمجتمع قبل ان يكتبوا ضد السلطة ، ولكنهم اليوم يعانون أكثر مما يعانيه اللاجؤون ومتضررو الحروب ، إنهم معزولون تماماً عن حياة السلطة والمال ، كرسوا حياتهم لأجل الكتابة ولكن بماذا قوبلت كتابتهم من قبل جميع الأنظمة. ليس سوى بالقمع والمزيد من الفقر ، فلماذا لا توفر السلطة لمثل هؤلاء بيئة مناسبة خالية من المشاق والتعب ، لا نطالب بتوفير حياة الرفاهية فقط أعطوهم حقوقهم المعيشية والفكرية.
إن حياة كمثل هذه التي نعيشها اليوم تزعج الكاتب ، انه يريد ان يتفرغ تماماً للكتابة ، فكاتب مثل «وجدي الأهدل» لوكان في بلد غربي لكان من أغنى الأشخاص لإصداراته المتميزة والتي حققت نجاحاً كبيراً في كثير من البلدان ، ولكن للأسف الشديد هو في عالم عربي لا يسمح لكاتب بان يكون ثرياً.. وحده المطرب وبسهولة يستطيع ان يكون من اغنى الأثرياء فاغلب نتاج عالمنا العربي يتمحور حول «عرب ايدول» وغيره من البرامج الغنائية التي تستنزف ملايين الدولارات ،ولا ننسى اننا نعيش ايضاً في عالم إسلامي متدين يشهد موجة كبيرة من التدين حيث يرجع كل شيء منتقد للسلطة الى الدين ، بحيث تعمل الجماعات الدينية على تكفير وتشهير كل من يناهضها ولقد رأينا ذلك عندما اصدر الكاتب الاهدل روايته «قوارب جبلية» تم ملاحقته من قبل جماعات الدين واستخدمت المنابر للتشهير والتحريض ضد الكاتب لتبرز السلطة نفسها انها ضد من يمس بالدين والأعراف ، فتصور السلطة للشعب وللقارئ ان من يعارضها ومن يكتب في قضايا تزعجها بانه خارج عن الدين والملة.
لنسأل أنفسنا لماذا؟ تقتصر الكتابة في رواية او قصة توجه بانتقاد وفضح حزب او جماعة معينة وترك الآخر ، ولماذا؟ التجديف والإسراف عند الكتابة في الجنس والدين والسياسة ؟
هل المشكلة تكمن في الكاتب الذي يريد الانفتاح على الآخر وكسر القيود والحواجز ،أم المشكلة مع القارئ ممثلة بالسلطات التي لا تقبل الخوض والجدال في مسألة «الدين والجنس والسياسة»، وحده الكاتب يبقى مسؤولاً عن ما يكتب.. تطارده كتاباته ، فالقارئ لا يتحمل مسؤلية ما يقرأ ولكن الكاتب عندما يكتب في الدين مثلاً يعلم جيداً أنه يعيش وسط مجتمع متدين محافظ على التقاليد التي أغلبها مظاهر كاذبة ، فالفكر الديني مفهوم سائد لدى الجمهوروقد لا يقبل القارئ انتقاده، فهذه المفاهيم وغيرها قد شكلت أفكارنا ورسمت حياتنا بل حصرتنا في قمم الجهل والتخلف والفشل والدونيّة قياساً مع غيرنا!
إن الكاتب في شعره وروايته وقصصه.... يريد أن يخرج بنفسه ويخرج القارئ الى مجتمع اقل بؤساً ومعاناة ، مع ارتفاع نسبة البؤساء والمكسورين التي خلفتها المفاهيم السائدة لدى الجميع نذكر بعضاً منها « مفهوم القضاء والقدر ، مفهوم التسفيه والتشويه لقيم وسلوكيات العالم المتقدم ،مفهوم دونيّة وعورة الأنثى ،مفهوم خدمة الدين قبل خدمة المجتمع ،ومفهوم الجنة والحور العين، هذه المفاهيم وغيرها بالإضافة الى الثلاثة القضايا المذكورة سابقاً ،هي التي تقف حاجزا ضخما امام الأقلام وعائقا كبيرا امام القارئ ، وهي أيضاً صنعت منا أناساً ومجتمعاً مشوهاً لا يصلح لبناء مجتمع سليم .
فالكاتب لو كتب في إحدى القضايا وانتقد بعض المفاهيم الزائفة، نعلم جيداً ما سيحل به ، السجن اولاً والقتل أخيراً ، القارئ أيضاً لا يجرؤ مثلاً اصطحاب كتاب لداخل منزله يتحدث عن الجنس والدين .
هذه القضايا والمفاهيم تقف امام الكتابة وتجعلها دوماً في خانة الاحتضار.

حول الموقع

إل مقه - نادي القصة اليمني